-->

الأحد، 24 أكتوبر 2021

عن أي دولة قانون أو مؤسسات يتحدثون؟

 


ينهش الكذب والتخوين تصريحات المسؤولين الرسميين في الأردن، ففي كل يوم تجد تصريحات يفوق اليوم سابقة غرابة وأكثر تدليساً.. فمن التوجهات بمحاربة الذباب المنزلي إلى وجود 20% من المستهدفين للأردن على مواقع التواصل الاجتماعي وصولاً إلى الغذاء والحليب المسرطن..

إن المجتمع البشري في تطور مستمر وكل مسؤول يعرف أنه يخدم مجتمعه، وهو مدفوع بالخدمة لحب الظهور من جهة والحصول على المال من جهة أخرى، ويبقى التطور سنة حياة المجتمعات فتجد خلف كل قرار فئة مؤيدة وأخرى معارضة، لذا من الطبيعي أن تجد البيت الواحد منقسم، والمفارقة هنا في طبيعة المسؤول فمن مِلْك اسْتَأْثَر كما يقول الإمام علي ابن أبي طالب رضي الله عنه، وطبيعة الإنسان أنه يكره الظلم؛ ولكن ما أن تتاح له الفرصة ليكون مسؤولاً تجد البعض منهم تصرفاته الظالمة أسهل من شربه ماء.

تعليقي هنا على تصريحات المسؤولين في دولتنا والتي تحمل عبارات ثقيلة المعنى سطحية المضمون، فهم غير بعيدين عن تصرفات الغابرين في التاريخ الذين منحوا المكافآت والجوائز لقاء الدفاع عن مصالح أو الترويج لأهداف وأحداث بعينها، وكما يقول أفلاطون أن الشعب سيتنبأ يوماً ما ويدرك مدى الكارثة التي جلبها على نفسه يوم ساند الطاغية وارتضى حكمه، فيقول: "إن الشعب سيدرك مدى الحماقة التي ارتكبها حين أنجب مثل هذا المخلوق ورعاه ورباه حتى أصبح هذا المخلوق أقوى من أن يستطيع الشعب أن يطرده"، وكم من مسؤول متنفذ يستحق الطرد!!

ولكن ما كان لكل مُستحق الطرد أن يستمر في مسلسل الكذب إلا بجود عالم دين وإعلامي الأول يُفصل له التشريعات التي تناسبه والثاني يدفع بجوقة المطبلين على التغني بمنجزات لم تتجاوز المُداد الذي كتبه فيه، وهذه الفئة غالباً لديها من الإمكانيات الفنية والنفسية للقيام بهذا الدور على أحسن وجه، وما أن يتبدل المسؤول ويأتي بآخر حتى تتبدل درجة الولاء، وبعد أن كانوا يذكرون محاسن السابق باتوا معاول لهدم أي منجز له، والأمر ببساطة ليس إلا تبدل مواقع وتبقى الاستراتيجيات هي ذاتها المدح والثناء لكل جالس على هذا الكرسي.

لذلك ترى هذه النماذج البشرية دائما محل الثقة وفئة معتمد عليها لا بل الكثير منها "يستزرعون"، فالزارع لا يبحث عن الذكي أو صاحب المواهب إلا بمن يتوافق معه وليكون متملقًا، وهنا ضمن هذه الدائرة لا مجال للنصح أو التفكير "خارج الصندوق" فالكل يتحرك وفق قاعدة واحدة لا أريكم إلا ما أرى طالما أن السياف يقف بجوار صاحب الأمر والتاريخ الإسلامي يحفل بالعديد من الأمثلة لكل مفكر أو شاعر دارت في رأسه أفكارًا لم يكن تُرضي أوليائه، الرسالة التي نُقلت منذ فجر التاريخ إلى اليوم عندما تكون قريباً من المسؤول غير مسموح لك بالنقد أو المعارضة إلا في حدود دائرة رسمت لك.

نحن اليوم في عصر الطاعة العمياء وهو عصر بات ملزماً لا يُمكن الفكاك منه، فإن لم تكن ضمن الحضيرة فأنت معارض سيتم ملاحقتك ونسلك إلى يوم الدين بعبارات التخوين، ولا مانع من مصادرة حريتك ومحاسبتك بين الحين والآخر دون سابق إنذار، ومطلوب منك في كل فترة أن تظهر الولاء المطلق والطاعة العمياء حتى تعتاد على الخسة والهوان، وهذا الهوان الذي يُعرض اليوم ما هو إلا لتدريب النفس على مصطلحات نعمة الأمان وما يرادفها التي ينطلق بها لسان حال كل "مطيع"، فالكل يعرف أننا في بلد أقرب ما نسميه بـ "عين الأخ الأكبر" لا تفوته شاردة أو واردة، ولهذا انتشرت الحسابات الوهمية والأسماء المستعارة على منصات التواصل الاجتماعي، وبات من يكتب باسمة الصريح إما مجنوناً أو كما يقول المثل العامي بايعها، ولا بأس بجرعة أو رشه من الشقاق بين فئات المجتمع ومجتمعنا بهذا فيه الكثير من الشقوق التي تظهر على السطح بين الحين والآخر.

أما الفقر فهو كابوس، وكل مسؤول يصم أذنيه ويعمي عيونه عن قوت اليوم الغائب ومن يجده من أبناء الشعب فهو مشغول في رحلة بحث مضنية لا تتوقف، يعمل من الصباح إلى آخر الليل فلا جلس هو مع أبنائه ولا أخذ وقتاً للراحة والترفيه الصحي والنفسي، وبات الأردني مشغولاً في قوته كأحد أوجه أعمال السخرة التي كانت دارجة في العصور القديمة ومجبراً عليها الإنسان، ولكن اليوم أصبحت طوعية بعد المسلسل الذي لم يتوقف من افقار الموطنين المتعمد، ويمكن أن أسوق مثلاً خلال فترة حكم ديونسميوس الكبير قدرت ضريبة الممتلكات بعهد نحو 20% من ممتلكات الفرد.

ختاماً لا تحدثني عن دولة المنجزات واحتفالات المئوية طالما أننا تحولنا لعبيد هذا القرن ودمرتم الإنسان والمكان فلا معيار لأمانة أو صدق وانتماء والغلبة كما هو واضح لمنظمة الرياء والتملق والتذلل، واتذكر أسطورة يونانية تقول إن المرء إذا ما ذاق قطعة من لحم الإنسان ممتزجة بلحم قرابين مقدسة أخرى فإنه يتحول حتماً إلى ذئب، وما العلاقة التي نشاهدها اليوم إلا العلاقة النابعة من الذعر. 


ليست هناك تعليقات

كافة الحقوق محفوظةلـ مدونة باسل النيرب 2016 | تصميم : رضا العبادي