-->

الثلاثاء، 3 سبتمبر 2024

الهاسبارا الإسرائيلية منظومة تضليل إعلامية متكاملة

 



الهسبارا كلمة عبرية وتعني الشرح وهي عقيدة استراتيجية للمنظومة الإعلامية الإسرائيلية، وافق الكنيست الإسرائيلي على استخدام المصطلح العام 1982، كركيزة أساسية في بناء العلاقات الدولية وتعزيز الدبلوماسية الإسرائيلية، هدفها تعزيز الدعاية المؤيدة لإسرائيل من خلال الإعلام التقليدي ومنصات التواصل الاجتماعي.

يعود صياغة المصطلح إلى أحد قادة الحركة الصهيونية الأوائل في بدايات القرن العشرين، وهو ناحوم سوكولوف، وهو صحافي وكاتب بولندي. اعتبر أن هاسبارا تمثّل شكلاً طبيعياً للحركة الصهيونية لنشرها بين مستشاري أوروبا والخطب العامة، كوسيلة للقادة الصهاينة من أجل توضيح تطلّعات الشعب اليهودي للسلطات. 

وفق هذه المنظومة تخضع المؤسسات الدولية الرسمية والصحف العالمية ومنصات أخرى، لعمليات تضليل ممنهجة بهدف قلب الحقائق، وإظهار الاحتلال الإسرائيلي بصورة الضحية، وتضم وكالات حكومية، ووزارات، ومراكز بحوث، ومنظمات غير حكومية، بالإضافة إلى قسم في مكتب رئاسة الوزراء، وقسم الإعلام والدبلوماسية العامة، في وزارة الخارجية، ووزارة الدبلوماسية العامة وشؤون المغتربين سابقا، والوكالة اليهودية لأجل "إسرائيل"، والتي تعتبر جزء من المنظمة الصهيونية العالمية، ووزارة السياحة، وقسم الناطق باسم جيش الاحتلال، لكل منها أدوار تفصيلية محددة، وتتولى الحكومة الإسرائيلية تمويل مشروع هاسبارا، بدعم واسع من أفراد وشركات عالمية، وباتت كل المؤسسات الإخبارية والصحفيون والأكاديميون والسياسيون والفنانون يتوقعون الضغط عليهم في حال ما خرجوا عن مستوى الخطاب المقبول الذي أنشأه الاحتلال وحلفائه، ويتم رفض كل الروايات البديلة التي تكشف انتهاكات إسرائيل وتصنيفها أنها معادية للساميّة.

وتحت غطاء الهاسبارا، جرى إنشاء هياكل دائمة في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدُول للتأثير على كيفية تفكير الرأي العام في العالم، بشأن إسرائيل، ولهذا تطوير مجموعة نقاط يتم التركيز عليها في مخاطبة الرأي العام، حيث تعتمد أساليب الهاسبارا على استخدام مجموعة متنوعة من الأدوات للتأثير في الرأي العام الدولي، وذلك وفق ما جاء في كتاب: "قاموس اللغة العالمي لمشروع إسرائيل" للكاتب فرانك لونتز‏، وقد ترجمته تحت عنوان: أولويات الخطاب الإعلامي الإسرائيلي ومن بين هذه الأساليب:

  • اختراق وسائل الإعلام التقليدية أو السيطرة عليها وبالتعاون مع جماعات الضغط الصهيونية، بهدف فرض وجهات نظرها ومواقفها عبر التغطيات المنحازة وتقديم معلومات وتحليلات موجهة لتبرير السياسات الإسرائيلية وطمس وجهات النظر المخالفة عبر تهميشها أو شيطنتها. 
  • استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بشكل واسع للتفاعل مع الجمهور الدولي، وإنشاء مواقع إخبارية ومدونات تروج لوجهة نظر إسرائيل تتضمن هذه الجهود استخدام لجان إلكترونية متخصصة لنشر ومشاركات بشكل مكثف على منصات مثل إكس وفيسبوك وإنستغرام، بهدف التأثير في الرأي العام وتوجيه النقاشات بصورة تخدم مصالحه، واستغلت وظائف المتصفح، وخوارزميات محرك البحث، والآليات التي تتحكم في المحتوى المقدم للجمهور.
  • استخدام سفراءها ودبلوماسيتها لتعزيز الرؤية الإسرائيلية وتبرير سياساتها في المنظمات الدولية والمؤتمرات الدولية من خلال المشاركة النشطة في النقاشات وتقديم الحجج التي تدعم توجهاتها. 
  • استخدام الفنون والثقافة كأداة لتعزيز صورتها وتعميق فهم الثقافة الإسرائيلية المزعومة وتعزيز العلاقات الثقافية مع البلدان الأخرى، وتنظم إسرائيل حفلات موسيقية ومعارض فنية وعروض مسرحية وأحداث ثقافية لتعريف الجمهور الدولي بالثقافة الإسرائيلية وتوجيه الانتباه بعيدًا عن القضايا السياسية والأمنية. 

تضافرت هذه الجهود لتصوير عمليات الجيش الإسرائيلي بطريقة إيجابيّة، بهدف إزالة النقد الدولي وصمّمت الرواية باعتبار إسرائيل "الضحية للإرهاب الفلسطيني" من خلال سلسلة من الأفعال القائمة على:

  • الإثارة والاستعطاف واستخدام نغمة معاداة السامية وأطياف "المحرقة اليهودية".
  • التزوير ضمن وقائع التاريخ وأحداث المجازر الإسرائيلية تجاه أهل فلسطين بعمومها.
  • التكرار لتثبيت الرواية الإسرائيلية لمواصلة ارتكاب المجازر بحق الفلسطينيين وحتى أسئلة الصحافيين الإسرائيليين في المؤتمرات الصحفية تتكرر بشكل فاضح.
  • التشبّه بالشعوب "المتحضرة" فتكررت عبارة: "على العالم المتحضر مقاتلة البربريين الذين يريدون إدخالنا إلى عصر الظلام والرعب" للتموضع ضمن ثنائية "الغرب المتحضر مقابل الاسلام المتخلف".
  • التهديد وتوسيع رقعة المواجهة في المنطقة.
  • المناورة والمراوغة وتحميل الطرف الفلسطيني مسألة تعثر مفاوضات السلام وملف الأفراح عن الأسرى الإسرائيليين.

للهاسبارا، أشكالها المختلفة وليست إلا أداة إضافية تستخدمها إسرائيل لتجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم وتخفيف حدّة معارضة عدوانها على غزّة وخلال الشهرين الأولين من العدوان الإسرائيلي على غزة، اعتمدت حركة هاسبارا في إسرائيل على 120 غرفة عمل، و40 منظّمة غير حكومية تعمل في تطوير أدوات التكنولوجيا، و100 قاعدة بيانات، وأقرت وزارة المالية الإسرائيلية نوفمبر 2023 ميزانية إضافية لجهود هاسبارا في الحرب بقيمة (36 مليون شيكل)، منها 10 ملايين شيكللوزارة الخارجية، و20 مليون شيكل لوزارة الشؤون الخارجية، و33 مليون شيكل لدعم المنظّمات المدنية التي تعمل في هاسبارا خلال الحرب.

وفي إطار الجهود الحثيثة لتطوير حملات دعائية ونشر المحتوى بحسب معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي بالتعاون مع خريطة هاسبارا الإسرائيلية؛ نشطت مبادرات كثيرة خلال الفترة منها 72 مبادرة غير ربحية، تعتمد على متطوّعين من بينهم شركات تكنولوجيا واختصاصيين وأكاديميين ومنظمّات كانت منخرطة في نشاط داعم لإسرائيل، وأصبح المتحدّث الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي هو المصدر الرئيسي للتقارير المستخدمة في هذه الحملات لتبرير الهمجية والوحشية، واختلاق الوقائع وقلب سياقها، في إطار تزييف الأحداث، وتشويه الحقيقة، والتلاعب بالوعي، وتحريف الأنظار عن المجرم الحقيقي، وتحوير أي نشاط معارض لإسرائيل وتحويله إلى نشاط معاد للسامية. 


ليست هناك تعليقات

كافة الحقوق محفوظةلـ مدونة باسل النيرب 2016 | تصميم : رضا العبادي