-->

الأربعاء، 8 فبراير 2017

(المرتزقة أو جيوش الظل) .. العودة في أكياس سوداء


إبراهيم السواعير - « ...وحتى عندما يُقتل المرتزِق، أو يُسحل في الشوارع، أو يحرق، أو حتى يقع في الأسر فلا أحد ينعاه، أو يجمع رفاته، أو حتى يفاوض من أجل إطلاق سراحه!». 
في كتابه»المرتزقة: جيوش الظل»؛ يعرض الكاتب باسل النيرب لمهنة صناعة الموت، راصداً أهم شركاتها والدول التي ترعاها، وأماكن وجودها، وكيفية عملها، وما يحكمها من قوانين ونظم، إن توفّرت؛ ويستهل النيرب بالقطاع الجديد» شركات توريد الأسلحة وعناصر المرتزقة»؛ الذي ذاع صيته منذ تسعينيّات القرن الماضي، تحت مسمّى» الارتزاق الاستثماري»، وما يتبعه من خصخصة العنف،وشيوع ظاهرة الجنود المحترفين سلعةً مطلوبة تدفع لها الدول مبالغ طائلة لقاء خدماتٍ لا تنجزها هي- الدول- خوفاً على حياة جنودها، وطمعاً في إفادة من يورّدون السلاح. 
ويرصد النيرب، في كتابه الصادر حديثاً في الرياض، ما خلّفته حرب العراق؛ التي غيّرت كلّ شيء، حيث الجيوش البديلة من المرتزقة تعمل خارج الولايات المتحدة، وتعدُّ وقود الحرب التي تخوضها الإدارة الأميركية في حربها المستعرة على الإرهاب، في حين أن العائد الاقتصادي الذي تحمِّلُهُ تلك الشركات الخزينةَ الأميركية يتلخص في أن الإدارة لن تدفع رواتب ومخصصات للعلاج والتأمين الصحيّ، وغيرها مما تصرفه للجندي في أرض المعركة؛ بل يكفي أن تدفع» ثمن العقد» لهؤلاء القتلة المحترفين. 
ويتخذ النيرب، الحاصل على ماجستير الإعلام في معهد بحوث ودراسات العالم الإسلامي من جامعة أم درمان في السودان،...يتخذ من دور المرتزقة في الحالة العراقية أنموذجاً؛ يعالجه، مستنداً إلى ما بين يديه من إحصائيات، من داخل المقرّ الأوروبي للأمم المتحدة بجنيف، تفيد بأن ما بين 15 و20 ألف مرتزق أجنبي يعملون في العراق تحت مسمّياتٍ مختلفة؛ وأن الولايات المتحدة تتجه لخصخصة وجودها العسكريّ؛ بجعله يعتمد في أغلبه على» عسكريين للحماية الخاصة» بدلاً من الجيش النظامي، ويدلل النيرب بالميزانية المقدرة بنحو ثلاثة مليارات دولار؛ تخصخص بها جزءاً من مهام قوّاتها النظاميّة في العراق، تحت مسميات» قوات عسكرية خاصة»، و» قوات للتدريب والتأهيل»، و» قوات للحماية»؛ وكلّها- على ما يرى النيرب- مرتزقة؛ بعضها وصل إلى درجة التخصص في تنفيذ عمليات عسكرية كبيرة في أفريقيا أو ضدّ إمبراطوريات تجارة المخدرات في أمريكا اللاتينية، ويتوسّع النيرب معمماً أنّ الثلاثة مليارات دولار خلقت سوقاً رائجةً في بغداد؛ بل جذبت اليوم اعداداً كبيرة من المرتزقة والمغامرين من أنحاء العالم كافة.
والكتاب، الذي يسلط الضوء على الشركات العسكرية الخاصة التي توفّر الجنود المحترفين في المعارك، وتتحالف مع المجمع الصناعيّ العسكري، قسّمه النيرب إلى واحدٍ وعشرين عنواناً؛ على النحو: « الارتزاق: مفهوماً»، و» رؤية تاريخية»، و» التحالف العسكريّ الصناعي»، و» هيمنة الشركات الكبرى»، و» الدعم خارج الحدود»، و» تصدير الصناعات العسكرية»، و» الشركات العاملة في الارتزاق»، و» الشركات الأميركية»، و» شركة بلاك وتر»، و» الشركات البريطانيّة»، و» الفرنسية»، و»  الإسرائيلية»، و» الجنوب إفريقية»، و» فسيفساء من الشركات العالمية»، و» عرب مع المرتزقة»، و» لا أحد يعاقب القاتل»، و» ابو غريب نموذجاً للمرتزقة»، و» تغطية رسمية لجرائم المرتزقة»، و» الارتزاق بين القبول والرفض»، و» نضوب المتطوعين»، و»ملحق المعلومات: حوليات المرتزقة». 
ويعجب النيرب، صاحب كتابي:» قتل الشهود: الاغتيالات الاميركية الإعلامية العربية»، و» المرأة  في إسرائيل»، لازدياد منطمات الارتزاق ثلاثمئةَ ألف، بذريعة مساعدة الدول الضعيفة التي تعاني من عدم الاستقرار، وإعداد وتأهيل جيش نظامي فيها قادر على حفظ الأمن الداخلي، وقمع التمردات، ومواجهة التهديد الخارجي للبلاد.». ويسأل: هل يجوز لنا القول إن الوقت قد حان لتعديل قوانين المرتزقة وتعريفهم؟..هل يمنحون- حسب خبراء القانون الدولي- وضع العسكريين؛ فيلتزموا أكثر بواجباتهم؟.. هل يرخصون حكومياً؟.. وماذا عن تراجع عدد المطلوبين للتجنيد في الدول التي تمارس الحرب ويعود جنودها بالنعوش أو الأكياس السوداء؟!
ويتابع: هل من حق تلك الدول أن توظف مرتزقة للعمل بدلاً من جنودها؟.. وهل من حق عالم اليوم خصخصة الجيوش أسوةً بالشركات، وأن يتجه إلى جعل القتلة المأجورين والمرتزقة بديلاً عملياً عن قوات الطوارئ الدولية التي أصبحت اليوم عاجزةً عن القيام بمهامها؟!
ومع أن النيرب يورد نص المادة 959 من الباب 18 من القانون الأميركي المتضمنة» أي شخص على التراب الأميركي: إذا انخرط أو التزم بتأجير نفسه أو استدعى شخصاً آخر أو حرّض غيره على الانخراط أو الالتزام بخدمة جيش أمير أو دولة أو محمية، أو منطقة أو شعب اجنبي كجندي أو قناص أو بحار على متن باخرة أو زورق حربي أو كان في طريقه إلى الحرب، يعاقب بألف دولار غرامة مالية كحد أقصى أو بالحبس مدة ثلاث سنوات أو بالعقوبتين معاً»... مع أنه يفعل ذلك إلا أنه يستغرب لأن الصورة الجديدة المقصودة، التي تُرسم لهؤلاء الوحوش البشرية بديلاً، هي في ظاهرها أسلوب حضاري ومهذب، فأسست لهذا الغرض شركات تجلب المرتزقة لمن يطلب، وتحت مسميات أكثر قبولاً: شركات أمنية توفّر حراساً أمنيين لمن يرغب في الحصول على حماية مقابل ثمن. 
وينتقل النيرب، الباحث في المركز الأردني للدراسات والمعلومات في الأردن،  للحديث عن الإحراج البريطاني؛ بقوله: وبالرغم مما يثار ويحرج دولةً كبريطانيا، إلا أن الشركات البريطانية  المعروفة ورّدت العدد الأكبر من المرتزقة إلى العراق، حتى أن الأمر يبدو عادياً: « الارتزاق العسكري» الذي يمكن أن يسهم في إعادة إعمار العراق، حققت به الشركات البريطانية مكاسب خلال العام الأول من احتلال 2003 تجاوزت 800 مليون جنية إسترليني، أي خمسة وواحد بالعشرة مليون دولار؛ وذلك يشير- حسب  الصنداي تايمز-  البريطانية إلى حوالي عشرين إلى ثلاثين الف مرتزق؛ فهي ثاني أكبر قوة عسكرية بعد الجيش الأميركي، بل وأكبر من القوة العسكرية البريطانية نفسها.  
ويشرح المؤلف، في حديثه عن الشركات الإسرائيلية موضوع الارتزاق، كيف أنّ إسرائيل الحالية تعد الأكبر في احتضان المرتزقة وتسهيل أعمالهم، سواء كانوا في العراق أو في فلسطين؛ مستنداً إلى ما نقلته نشرة «ويكلي ديفينس ريفيو» في أكتوبر ألفين واثنين، عن خطة قدمها نائب رئيس سلاح الجو الإسرائيلي اللواء احتياط  جدعون شيفر إلى الحكومة، تقضي باستجلاب جنود مرتزقة بعد اعتناق اليهودية من دول إفريقية وآسيوية فقيرة من أجل التغلب على مشكلة رفض الجنود الإسرائيليين العمل في تلك المناطق الفلسطينية، حيث يواجه الجيش الإسرائيلي مأزقاً أخلاقياً بسبب تزايد عدد رافضي الخدمة في المناطق المحتلة عام 67 ، على أن تقدم المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تسهيلات لكل من يخدم لمدة عام واحد وتمنحه على الفور الجنسية الإسرائيلية.
ويضيف النيرب أنّ نشاط المرتزقة الإسرائيليين يمتد إلى داخل المناطق الفلسطينية المحتلة؛ فهنالك الآلاف من الجنود المرتزقة المقيمين في المستوطنات مهمتهم الوحيدة هي قتل المطلوبين، وهم منطويون في كتيبةٍ  تدعى» الكتيبة الحمراء» تتبع الجيش الإسرائيلي، وأغلب هؤلاء من دول أوروبا الشرقية، ومجموعة من القتلة الروس.
وبعد أن يتناول الشركات الفرنسية المعتنية بالمرتزقة، بالرغم من مناهضة القانون لذلك،  يقدّر النيرب  عدد المرتزقة من جنوب إفريقيا في العراق ما بين خمسة إلى عشرة آلاف مرتزق؛ مستنتجاً أنّ جنوب أفريقيا تُعدّ أكبر الدول المصدرة للعاملين في الشركات العسكرية الخاصة بعد الولايات المتحدة وبريطانيا. 
وفي عنوان»عرب مع المرتزقة»، ينقل النيرب ما قاله الرائد العراقي فوزي احمود من أن العراقيين لم يُستغلوا في الارتزاق؛ بدليل أن أفراد الحماية في العراق هم الأقل طلباً؛ إذ يصل دخل الفرد منهم إلى 12 الف دولار سنوياً، مقابل 200 الف دولار لنظرائهم من الشركات الأجنبية. 
وفي لبنان يعجب النيرب لإعلانات شركة أمنية لبنانية، تفيد أنها «توظف الآن للعمل في العراق»، وأن الأفضلية لفئة الشباب، أصحاب الخبرة. ويكشف النيرب- نقلاً عن صحيفة النهار- عن انضمام عشرات اللبنانيين المسيحيين للعمل في صفوف المرتزقة بالعراق، من خلال التعاقد مع الشركات الأمنية الاميركية.

ليست هناك تعليقات

كافة الحقوق محفوظةلـ مدونة باسل النيرب 2016 | تصميم : رضا العبادي