-->

الاثنين، 5 نوفمبر 2018

الحرية المسؤولة أو التناحر الاجتماعي..


كغيري من الأردنيين تابعت ما جاد به جلالة الملك عبدالله الثاني في مقال حمل عنوان " منصات التواصل أم التناحر الاجتماعي؟"، والذي سلط الضوء من خلال على بعض الظواهر الاجتماعية المقلقة على منصات التواصل الاجتماعي، مؤكداً جلالته أن المنصات الإلكترونية وفرت لنا جميعًا صوتًا مسموعًا وفرصًا غير مسبوقة للتواصل، لنعرب عمّا يجول في خاطرنا ونتبادل الآراء، لنلتف حول القضايا المحورية والإنسانية، ونسلط الضوء على القضايا المصيرية ونناقشها؛ بل ونبني عليها، إن كان الحوار بناء.
ما أزعج جلاله الملك ما تقوم به منصات التواصل الاجتماعي مؤخراً، ومحاولتها خلخلة ثبات المرساة الأردنية، فقد أشار جلالته إلى تعبير "الصدمة" لما حملته منصات التواصل الاجتماعي من الكم الهائل من العدوانية، والتجريح، والكراهية، حتى تكاد أن تصبح هذه المنصات مكانًا للذم والقدح، وتعج بالتعليقات الجارحة والمعلومات المضللة، والتي تكاد أحياناً تخلو من الحياء أو لباقة التخاطب والكتابة، دون مسؤولية أخلاقية أو اجتماعية أو الالتزام بالقوانين التي وجدت لردع ومحاسبة كل مسيء.
ونوه جلاله الملك ما تهدف له النقاشات الرائجة على الإنترنت، مؤكداً أن الإشاعات والأخبار الملفقة هي الوقود الذي يغذي به أصحاب الأجندات متابعيهم لاستقطاب الرأي العام أو تصفية حسابات شخصية وسياسية.
إن الحرية المسؤولة التي ننشدها تقوم على أساس متين ومتصالح مع الآخر فشريان الكذب الذي ينتشر في كثير من مواقع التواصل الاجتماعي حتماً لن يتوقف إلا بعد أن يعرف الجميع حدود المسؤولية؛ فلا الرقابة تغني ولا المنع حل؛ فالأصل أن يمارس الجميع حرياته المنصوص عليها في الدستور وضمن القانون فلا ضرر ولا ضرار.
إن انتشار الكذب في مواقع التواصل الاجتماعي ما هو إلا التعبير غير الصحي عن حالة من الإفلاس الأخلاقي التي تنتاب بعض المدونين والمغردين والكُتاب، في محاوله منهم لجلب مزيدًا من المتابعين ولو على حساب مصالح الآخرين أو ضرب الوحدة الوطنية واللحمة الاجتماعية.
وصحيح أن الاخبار الكاذبة تنتشر كانتشار النار في الهشيم؛ لا بل تجدًا رواجاً وترويجاً لها في صفحات مواقع التواصل الاجتماعي ومن بعض الفضائيات التي تحترف إشعال الفتن وتقتات على مآسي النفس البشرية.. فالكثير من الشبكات الاجتماعية ومستخدميها تزدهر وينمو عدد متابعيها من جراء نشر الأخبار الكاذبة، وهذا ما أظهرته الدراسات فاحتمالات إعادة تغريد خبر ملفق تزيد بنحو 70% على إعادة تغريد خبر حقيقي، والسبب، البشر لا يطيقون الحقيقة، وتنتشر المعلومات الكاذبة أسرع، وطبعاً من روج للكذب أتهم مفردات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا بأنها السبب متناسي بسوء قصد ونيه أنه من يشغل الآلة هو الإنسان وليس العكس، وما اظهرته دراسة معهد ماسيشوسيتس للتكنولوجيا من تحليل 126 ألف مادة خبرية نقلها ثلاثة ملايين شخص على تويتر خلال الفترة من 2006- 2017م، يؤكد صحة الاستنتاج الذي أشار له جلاله الملك وهو أن الإشاعات والأخبار الملفقة هي الوقود الذي يغذي به أصحاب الأجندات متابعيهم لاستقطاب الرأي العام أو تصفية حسابات شخصية وسياسية.
ما يميز الوسائل الاجتماعية قدرتها على سرعة حشد ومشاركة الجمهور من خلال استمرار عرض المعلومات وتغذيتها بالدوافع، فالجميع يستطيع أن يدلي برأيه فيما حدث بعد أن أصبح المرسل هو المستقبل في ذات الوقت، حيت أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي من خلال عامل السرعة الذي توفره ونشر معلومات فورية حول الأحداث الجارية، ومنحت شبكة الأخبار تطوراً للأحداث، وغطت في وقت واحد الأحداث، وهذا ما حدث بالتحديد في حادثة البحر الميت على سبيل القصد، واتاحت وسائل التواصل الاجتماعي مشاركة أكبر عدد من الجمهور في نفس الوقت من خلال هاشتاق#" ضحايا_البحر_الميت"، كما سمحت وسائل التواصل الاجتماعي للجمهور بالبحث عن معلومات خاصة وتفاصيل شخصية متعلقي بالشهداء وذويهم...
وفي حداثة البحر الميت وقبل الإعلان عن تشكيل لجنة التحقيقات تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي الكثير من عبارات الاتهام والتخوين؛ بالإضافة إلى عبارات الشتم والقدح وتصفية حسابات شخصية مع دوائر رسيمة وشخصيات وهذا ما كان ليكون لولا جو الحرية غير المسؤولة الذي توفره شبكات التواصل الاجتماعي، وهنا تكمن المأساة الكبرى فيما يتنشر ضمن وسائل التواصل الاجتماعي أن الجمهور في أغلبه يعتمد على قاعدتي النسخ واللصق دون التحقق من المضمون بأي وسيلة من المحتوى.
ليست مشكلتنا مع المخطأ الذي يعترف أنه تجاوز وأخطأ وقدم اعتذاره في المكان الذي أساء فيه؛ فهذا الأمر من حق من اسيئ له؛ ولكن مشكلتنا الكبيرة تمكن أن من يخطأ يستمر في الخطأ وتأخذه العزة في الإثم إلا ما رحم ربي ويستمر في تقديم الحلول والتبريرات وإيجاد طريقة للدفاع عن وجه نظره حتى بعد تفنيدها، وهنا ينقلب إلى وحش ينهش من خالفوه في الرأي، فينظم تظاهرات إلكترونية تُغرق الطرف الآخر بسيل من الشتائم والتعليقات الجارحة والاتهامات المعلبة، والطعن في وطنية وأخلاق ونزاهة وشرف الآخر وكل هذا لأنه قدم رؤية مختلفة.
إن الكثير من ممارسات وسائل التواصل الاجتماعي تفتح الباب على مصراعيه لأسئلة لا تتوقف حول القيم والمبادئ والأخلاق المتعارف عليها، ونحن اليوم في أمس الحاجة ليكون إعلامنا الإلكتروني منسجم مع إعلامنا الفضائي والورقي؛ فالظاهر لي أن لكل نوع إعلامي في وطننا أهدافه الخاصة ورؤيته المنفصلة عن الوسيلة الأخرى، مع أن الأصل أن يكون العمل الإعلامي ضمن رؤية استراتيجية واحدة تختلف فقط في خصوصية كل وسيلة إعلامية وطبيعة جمهورها.. وقد أشار جلاله الملك أن المسؤولية الكبيرة على منابر الإعلام والإعلاميين، كأحد أهم روافع نظم تدفق المعلومات والتواصل، إذ يجب عليهم رفع معاييرهم المهنية والالتزام بالمسؤوليات الأخلاقية التي تقع على عاتقهم.
أن كبح جماح وسائل التواصل الاجتماعي والسيطرة عليها بسبب كمية الأخبار المزيفة ليس هو الحل الأمثل؛ فقد أشرت أن الرقابة والمنع لن يجدي نفعاً؛ لذا فإن فالبحث عن المصداقية وبناء المواطن الواعي هو الحل الأمثل، وهذا لا يكون إلا من خلال إقرار التربية الإعلامية فهذا المفهوم الغائب الحاضر في الكثير من المؤسسات الإعلامية، لا بد أن يكون مفهوم شعبي يدرس ويعلم لأبنائنا الطلاب ويمارسه الجميع لمواجهة الآثار السلبية لوسائل الإعلام الاجتماعي، ونشر مفهوم التربية الإعلامية في مختلف مؤسسات المجتمع المدني، وبهذا نستطيع أن نوجد حرية مسؤولة لمن يكتب في صفحته الاجتماعية.
وختاماً، يمثل قانون جرائم أنظمة المعلومات منطلق مهم مع أهمية التربية الإعلامية المنشودة بناء حرية مسؤولية فالأصل توعية المجتمع بالقانون والتعريف فيه، فليس نشره في الجريدة الرسمية هو التعريف المقصود، ولكن أن يصل القانون إلى كل أطياف المجتمع لفهمه والعمل به، ومع أهمية القانون والتعديلات الني وردت فيه عام 2017م، يكفي أن أنوه هنا إلى أمرين وهما أن القانون يعاقب من خرق الحياة الخاصة للأخرين وهذا البند يسمح لذوي الضحايا بمقاضاة من أساء لشهدائهم، وما أضيف كذلك في نص القانون والذي تضمن ما عرف باسم خطاب الكراهية وتضمن قول أو فعل من شأنه إثاره الفتنة أو النعرات الدينية أو الطائفية أو العرقية أو الإقليمية أو التمييز بين الأفراد والجامعات.
لا أشك في جو الحريات الذي توفره لنا القوانين المنظمة للعمل الإعلامي في الأردن ولكن الذي أشك فيه واخشي منه طبيعة استغلال هذه الحريات وحالة الفلتان الأخلاقي التي تنتاب من يكتب خلف اسم مستعار معتقدًا أنه له حرية التخوين، أما من يكتب باسمه الحقيقي ويعبر عن رؤية واضحة فهذا يستحق أن يؤخذ برأيه وهو ما أشار له جلالة الملك قائلاً: "وتلك التقنيات والأدوات باتت في غاية الأهمية لنا جميعًا، بل ولي أيضا، فمن خلالها أسمع أفكار المواطنين وآراءهم دون فلترة للمعلومات أو الآراء أو حواجز أو قيود، قدر الاستطاعة".

ليست هناك تعليقات

كافة الحقوق محفوظةلـ مدونة باسل النيرب 2016 | تصميم : رضا العبادي