-->

الأربعاء، 8 فبراير 2017

إعلام نصر الله وإعلام الكيان .. من يستغل الآخر؟



ما من شك أن السياسة العالمية تُدار حالياً بأدوات الدعاية، حيث يثير حجم التضليل الذي تمارسه أدوات الدعاية السياسية المعاصرة الشك إزاء كل القيم والمعايير الأخلاقية التي عرفتها البشرية، ذلك لأن التضليل أصبح يتمثل في الفجوة الكبيرة بين قناعات الرأي العام؛ وبين الحقيقة حول جذور ما يحدث في مختلف مناطق العالم كل هذا لأن الدعاية السياسية تقتضي تدوير الأحداث واختلاقها.
فبعد الحملة التي روج لها الإعلام الإسرائيلي أو -قناة المنار- فلا فرق هنا؛ من دخول مراسلين إسرائيليين إلى لبنان، فقد بات من الواضح أن القائمين على الوسائل الإعلامية الإسرائيلية باتوا يتجرؤون على إرسال صحافييهم إلى لبنان بقرار إسرائيلي أمني وهم مدركون أن ما يخرجون به من قصص وروايات حول حرب تموز 2006 وهي هدفهم الأخير من الزيارات سيكون في صالح خدمة حزب الله والترويج لشعارات الحزب في مجمل الإعلام العربي.
ليس صحيحاً ما قيل في قناة المنار من أن عمل الصحافيين الإسرائيليين استخباري تجسسي، بل هو دعائي بشكل واضح وخدمة لمشروع حزب الله، فالساحة اللبنانية مفتوحة للجميع ومخترقة من كل أجهزة الأمن في العالم، وبمعنى أدق أصبحت لبنان ساحة تصفية حسابات بين جميع الأطراف منذ مقتل الرئيس الحريري.
في الرواية الرسمية للإعلام الحزبي لقناة المنار، وفي نشوة الاحتفال بتدمير لبنان كشفت المنار حادثين لدخول إعلاميين إسرائيليين إلى ساحة لبنان وتصوير مظاهر الفرح التي ركز الإعلام الإسرائيلي أكثر من غيرها، فقد ظهرت مراسلة القناة العاشرة الإسرائيلية "ليسا غولدمن" على الهواء مباشرة في النشرة الرئيسية، بعد أن رحب بها زميلها في الاستديو في فلسطين المحتلة فقد قال المقدم: "الآن إلى رسالة مراسلتنا في القناة العاشرة إلى بيروت ليسا غولدمان التي سألناها عن الأجواء والشعور في مدينة بيروت"؟
وقد قدمت "ليسا" تقريراً من بيروت وظهرت وهي مرتاحة للبث باللغة العبرية من شرفة تطل على مرفأ بيروت, أما نص الرسالة التي قدمتها المراسلة، فهي تمجيد واضح في قدرات حزب الله الأمنية ويقينهم - أي حزب الله - أنهم حققوا النصر على إسرائيل، مع أن بيروت ما زالت تعم في خراب كبير، حيث قالت المراسلة: "سلام من بيروت، حيث أقف ومن خلفي يمكن رؤية المرفأ الذي قصفته إسرائيل في الحرب الماضية، يوجد الكثير من الحواجز للجيش اللبناني في الكثير من المناطق ويسود التوتر هذه المدينة التي تشبه كثيرا تل أبيب"، أما مشاهدتها في الضاحية الجنوبية فقد أكدت أنها كانت تتنقل بحرية وقد لفت نظرها ما شهدته على أطراف الضاحية من صور عملاقة للامين العام لحزب الله إلا أن ما كبح رغبتَها للدخول إلى الضاحية هو الرعب الذي تملكها بعد أن ابلغها رفاقُها من وجود حواجز لعناصر لحزب الله تستطيع اكتشاف الإسرائيليين فور إدراجهم في الانترنت. وأضافت: "في اغلب المناطق التجارية لا تشعر بحزب الله ولا تراه لكن عندما تمر على أطراف الضاحية ترى لوحات ضخمة لنصر لله وهو يلوح بيده ويبتسم، إضافة لرايات الحزب وعندما طلبت من رفاقي دخول الضاحية نظروا إليّ بذهول وقالوا لي إنني لا استطيع الدخول إلى هناك بسبب وجود حاجز لأفراد الحماية التابعة لحزب الله وهم ليسوا ساذجين وعندما يحاول أي أجنبي الدخول إلى هناك يبحثون عن اسمه في على الانترنت فإذا قاموا بذلك فسيعرفون فوراً إني اسكن في "إسرائيل" وأنا لست على استعداد للمخاطرة".
كما عرض تلفزيون المنار تقريراً لمراسلة صحيفة "يديعوت احرنوت" "رنات ماخليس" وقالت القناة أن "ماخليس" جالت في الضاحية الجنوبية، ثم في الجنوب وأعدت تقريراً مصوراً من بنت جبيل وصور وعيتا، وأخذت اللقطات التذكارية أمام دبابة إسرائيلية مدمرة في بنت جبيل.
ما ركزت عليه المراسلة الإسرائيلية أن حزب الله في أوج الاستعداد الكامل لإمكانية وقوع حرب ثانية، ويبدوا أن من بث التقرير تناسى صدور حوار مع أحد رجالات الحزب ونشر في مجلة الشراع اللبنانية أكد لو أن الحرب استمرت أسبوع واحد آخر لاستسلم جميع المقاتلين، وأكدت المراسلة أن الأجواء المعاشة في الجنوب هي أجواء نصر بعد مرور سنة على حرب تموز. وفي تلك الورايتين التي نقلتهما قناة المنار يمكن وضع أكثر من علامة استفهام حول مضمونها ومنها:
1) كيف يستطيع أجنبي إسرائيلي تحديداً الدخول إلى الحصن الحصين لمواقع حزب الله ويجول فيها بكامل معداته الفنية ومعه مرافقين دون أن يلفت أنظار فريق الحماية في المواقع التي تم تصويرها.
2) ما بث من رسائل في القناة العاشرة أو لمراسلة يدعوت احرنوت يركز على مظاهر الفرح التي تعم بيروت بعد عام من النصر الإلهي، مع أن الزائر العادي لمدينة بيروت الضاحية الجنوبية تحديداً يرى حجم الدمار الذي لم تفلح كل أموال الحزب وإيران في إزاحته عن الوجوه أو المشاعر.
3) كيف عجزت آلة حزب الله التقنية التي قِيل الكثير عنها من كشف البث الحي أو معدات التصوير في مناطق وجودها، بينما استطاعت قوات ذلك الحزب الدخول إلى فلسطين المحتلة وقتل 11 إسرائيلياً وأسر 2 ثم تؤكد كل بيانات الحزب أن "العدو" اكتشف بعد ساعات أن هناك جنود قتلى وأسرى لدى إحدى قواعد حزب الله.
4) في عملية قصف وتدمير البارجة الإسرائيلية أعلن حسن نصر الله وهو في خطاب متلفز عن بدء المفاجآت التي كان وعد بها الإسرائيليين، داعياً أهل العاصمة اللبنانية إلى مشاهدة البارجة الحربية الإسرائيلية التي اعتدت على البنية التحتية والمدنيين في العاصمة والضاحية "وهي تحترق وتغرق". فالذي ربط نفسه خلال خطاب متلفز مع من قام بقصف البارجة لا يستطيع أن يكتشف وجود بث من حوله يتجه إلى دوله معادية..!
وأخيراً، من الناحية الإعلامية يفتح لنا تتالي الأخبار المنقولة من التلفزيون الإسرائيلي وصداها في قناة المنار باب إعلامي واسع وهو ما يُعرف باسم (وضع الأجندة)، فالجدل الدائر حول هذا الموضوع هو هل تصنع وسائل الإعلام جدول أولويات السياسية الخارجية أم أن السياسة، هي التي تصنع جدول أعمال وسائل الإعلام.
لقد حسم هذا الجدل علمياً بأن وسائل الإعلام لا تصنع جدول أعمال السياسة، إلا أن هذه الوسائل ليست مجرد ناقل سلبي للمعلومات، فالأحداث والخبرات خلال العقدين الماضيين أثبتت أن هذه الوسائل كثيراً ما تكون أداة من أدوات السياسة الخارجية وأداة صريحة لبلورة تلك السياسة وتسويغه أمام الجمهور المستهدف، أما مقولة أن الأحداث هي التي تصنع جدول أعمال الأخبار فستبقى مجرد مقولة نظرية، مادام هناك من يتلاعب في خيوط الأحداث وحروف الأخبار.
وأخيراً في الزيارات التي كُشف عنها مؤخراً، فقد أكد وزير الإعلام اللبناني غازي العريضي أن مراسلة يدعوت أحرنوت دخلت لبنان مرتين وليس مرة واحدة وبجواز سفر كندي، في المرة الأولى وصلت يوم 24 حزيران وخرجت في الأول من يوليو، والمرة الثانية في 9 يوليو وغادرت لبنان بعد يوم واحد.
كما سبق وأن زار الضاحية الجنوبية محلل عسكري في جريدة يديعوت احرنوت بعد الحرب مباشرة ونشر صورته وهو أمام مجمع سكني مدمر في قلب المربع الأمني على صدر الصفحة الرئيسية، وقصة الصحفي الإسرائيلي الذي انتحل صفة رئيس حكومة بريطانيا الأسبق توني بلير وحاول مكالمة رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة والذي استدرك الأمر فور معرفته بأن محدثه صحفي في التلفزيون الإسرائيلي فأقفل الهاتف في وجهه.

ليست هناك تعليقات

كافة الحقوق محفوظةلـ مدونة باسل النيرب 2016 | تصميم : رضا العبادي