تشكل الظاهرة السياسية في القنوات الفضائية ظاهرة خطيرة حيث تتلاشى الخطوط الحمراء ويصبح كل ممنوع مرغوب، وفي الساحة الإعلامية اللبنانية وتحديداً على مستوى الفضائيات أصبحت ظاهرة الشتم والاتهامات والانفعالات وتمجيد أشخاص وتهديد آخرين والإشادة بدول حسب المصالح والأهواء والدعم هو السمة الأبرز، فأصبحت تلك الفضائيات متخمة باللغة الحزبية لكل مجموعة وتيار يتبعها بعيداً عن الاهتمام بالصالح العام.
قناة المنار وما تمثله من إعلام يدخل ضمن نطاق تتشابك المصالح في الساحة السياسية الداخلية والخارجية فهناك لاعبون إقليميون محركون وموجهون لسياسة القناة ومن خلفها حزب الله الذي يدير القناة، ووفقاً لهذا فقد أصبحت المنار أحد أدوت الصراع الطائفي، أما الإعلاميين العاملين فيها فقد أصبح دورهم مقتصراً على نقل توجهات آراء المؤسسة السياسية ومن خلفها اللاعبون الإقليميون، أما الضحية فهي بلا شك التحليلات والأخبار الموجهة التي فقدت مصداقيتها في غياب أي رقيب، لاسيما افتتاحية نشرة الأخبار في قناة المنار التي تختصر توجه القناة نحو أهدافها وخطها السياسي الذي تتبعه، وهو تقليد خاص بها لا يكاد يوجد مثله في عموم الفضائيات الشيعية.
سياسياً يمكن رصد خطاب لا يخفى على المتابع للشأن الإعلامي، حيث يلحظ بوضوح الدور التحريضي الذي تمارسه القناة في عموم برامجها لا بل يحق لنا القول أن كل البرامج السياسية والدينية في النهاية يجب أن تظهر التوجهات الإيرانية الدينية والسياسية فيها والمتمثلة في فتاوى وآراء قم ومشهد، وليس هناك دليل أوضح من التصعيد السياسي الذي مورس في أوقات سابقة في لبنان حيث أجمعت كل التقارير السياسية أن لإيران اليد العليا فيه، والعجيب أن قناة المنار تتهم حكومة لبنان التي يقودها فؤاد السنيورة بأنها حكومة عميلة في الوقت الذي يشيد فيه حسن نصرالله بالحكومة العراقية الطائفية المرتبطة في إيران باعتبارها حكومة وطنية كما أن الشيعة من أهل العراق يؤكدون أنهم متضررون من سلوك قناة المنار عند التعرض لهم إخبارياً.
أما ما يجري في العراق فهو حكاية غريبة في قناة المنار فمتى أردت القناة إطلاق لفظ شهداء أطلقته على من يُقتل من أهل العراق وغالباً ما يُفرق معّد النشرة ما بين من يقتل على يد الأمريكيين بين السنة والشيعة، وما كشفت عنه الأحداث الأخيرة في العراق هو الوجه الطائفي البغيض للقناة وأنها خير من يُنفذ أجندة إيران بلا تحفظ.
هذه السياسة التي تتبعها قناة المنار أدخلت لبنان والمنطقة في سباق إثارة الغرائز الطائفية، ما أدى إلى فرز واضح تبعاً لهذه المؤسسات، فأي متابع لقناة المنار يتضح له أن أجنده القناة مستمدة من أجندة الحزب نفسه، وهذا الوضع الإعلامي ينعكس على نسبة المشاهدة ونوع الفئة وطائفتها، وليس غريباً القول أن جمهور قناة المنار هو نتيجة للثقافة السياسية والاجتماعية التي تبثها باعتبارها الوسيلة الإعلامية التي "تتدافع" عن شيعة لبنان كما يُقال، فرغم التنوع في توجه الإعلام الفضائي اللبناني؛ إلا أن لكل منها فرصة واضحة في اطلاع اللبنانيون على اختلاف وجهات النظر ومقاربة كل وسيلة لأي حدث، فهناك فرزا جماهيريا رسخته السياسة من خلال أدواتها الإعلامية، وعليه نجد أن معظم اللبنانيين يدينون بولائهم لمحطة أو صحيفة أو إذاعة توافق توجههم السياسي والطائفي.
أما الخطاب العاطفي الطاغي في قناة المنار وهو في أغلب القنوات الشيعية الاعتماد على الأناشيد والفيديو كليب والخطب الرنانة والقصائد الحماسية، واستثمار المشاهد الحزينة في التجمعات لتحريك العاطفة لدى المشاهد وجلب التأثير والتعاطف، وتوظيف هذه المشاهد بكثرة مع الرموز الدينية الشيعية بمصاحبة الأناشيد الحزينة والكلمات العاطفية.
هذا الخطاب العاطفي تضمن نقلات متتالية في المشاهد باستخدام المؤثرات الفنية المصورة والجرافيك لإعطاء تأثير وزخم عاطفي مضاعف إضافة لذلك ثم توظيف الإيحاء وبشكل كامل مع استبعاد كبير للخطاب العقلي، وأمام هذه الملاحظات لا تعترف قناة المنار أنها تشكل طرفاً طائفياً لا بل تؤكد أن خطابها خطاب سجالي بعيد عن الحزبية.
إن تناقض قناة المنار مع المواقف الوطنية أصبح منهج عمل واضح لتنفيذ أجندات معدة مسبقا في إطار واضح هو تنفيذ المخططات الإيرانية التوسعية لالتهام المنطقة والسيطرة على خيراتها ومقدراتها وتجيرها لخدمة المصالح الأمريكية المكشوفة خاصة بعد الأحداث التي تجري وجرت مؤخرا في العراق ولبنان وفلسطين والتي تسعى طهران لاختطاف قضيتها من بين أيدي أبنائها وإلحاقها بفلكها.
ما تمثله قناة المنار هو امتداد للنهج الفارسي وقد دخلت في إطاره الاستراتيجي دول عربية قامت بالأساس على شعارات قومية كبيرة سارعت لتوطيد علاقاتها مع حكومة طائفية مدعومة فارسيا وذلك استجابة لرغبات المرشد الروحي إيران.
ليست هناك تعليقات