-->

الأربعاء، 28 يونيو 2017

غُرف الكذب في صفحات التواصل الاجتماعي

ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في الحراك السياسي لثورات الربيع العربي عن طريق التنظيم والحشد، حتى إن الكثير من الدعوات للثورات العربية انطلقت عبر صفحات التواصل الاجتماعي وهي ميزة موجودة في الأصل في بُنية تلك الوسائل حيث تساهم الحشد والتجمع من خلال تحديد الزمان والمكان.
والتجارب العربية والعالمية في الدعوة للتظاهر كثيرة وشاهدة على ذلك في تونس ومصر وايران وسوريا وثورة الميدان الأوروبي في أوكرانيا، حيث ساهمت المنابر الاجتماعية الافتراضية في نشر المعلومات اللازمة حول كيفية التظاهر، ما ساعد الحركات الجماهيرية في بناء قدراتها التنظيمية بعد حظر التجمعات البشرية، وشكلت الصفحات الاجتماعية فيسبوك وتوتير والواتس أب كأدوات في بناء منابر افتراضية للجماهير يصعب إيقافها.
يتطلب المشاركة الرقمية في الدعوة للتظاهرات؛ يتطلب تعبئة جماهيرية ووقتًا وتفاعلاً مستمراً، وقد يتواصل النشطاء ويولون اهتمامهم لقضية معينة لمدة قصيرة، إلا أنهم يخفقون غالبًا في المشاركة الكاملة، لإن بناء الثقة يتطلب تواصلًا روتينيًا مباشراً على المدى الطويل.
وهنا تبقى الحكومات هي الأجدر استغلال وسائل التواصل الاجتماعي كما وثقت عالمة السياسة "أنيتا غوديس" حيث تقول: " الحكومات وبكل بساطة أكثر مقدرة على استغلال وسائل التواصل الاجتماعي من النشطاء، وعلى الرغم من الوعود المسبقة في عدم كشف هوية المستخدم على الإنترنت، جعلت الرقابة التجارية والحكومية من الخصوصية على الإنترنت شيئًا من الماضي، فعلى سبيل المثال: نجحت الحكومة الروسية بالتسلل إلى اتصالات الناشطين في خطوة استباقية لسحق أصغر الاحتجاجات. وهذه الممارسات شائعة لدى النظم الديمقراطية، ففي الولايات المتحدة يعد برنامج وكالة الأمن القومي للتنصت دون إذن قضائي أو تنسيق موقع ياهو مع الحكومة الأمريكية لتزويد الأخيرة بالمعلومات حول مستخدميه، مجرد بداية.
وتراقب أقسام الشرطة المحلية مواقع التواصل الاجتماعي لتجميع المعلومات عن مناطق خدمتها. وبينما كان ينبغي على الحكومات في الماضي أن تخصص موارد كبيرة لرصد المعارضين، يشجع المناخ الرقمي اليوم الناس للتفاخر بإعلان هوياتهم السياسية والاجتماعية والدينية، وهذه بيانات تسمح بإنفاذ القانون وتطبيق الخدمات الأمنية لاستهدافهم بفاعلية أكبر".
وفي حالات التوثيق لحالات التجاوزات التي تقوم بها القوات الأمنية ونقلت مباشرة إلى الجماهير؛ فالمشاركين المحتملين قد يتخلوا عن رغبتهم في التواجد في أماكن الاضطرابات الأمنية أي أنها تؤثر بصورة عكسية على المشاركين وسيتوجد في الميادين نوعين من الجماهير إما راغبين التغيير فعلياً أو المغامرين.
تعمل غرف التظليل والخداع في صفحات التواصل الاجتماعي على  انقسام الناشطين الاجتماعيين من خلال بث الأكاذيب وإيجاد الإنقسام داخل المجتمعات بدلاً من توحديها، مسترشدين في الحالة اليمنية مثلاً أو السورية أو الليبية؛ مرددين "ليس إن اجتمعت الجماهير في ساحة عامة فهي قادرة على التغيير ، ولو كان الأمر بكل بساطة لكثير من العروش اختفت دون اللجوء إلى شلالات الدم.
والحقيقة التي تبتعد عنها غرف الكذب في صفحات التواصل الاجتماعي أن التعبئة مستمرة منذ سنين ولا يمكن أن تكون وليده لحظة، وهذا ما اثبتته دراسة "كورت ويلاند" لثورات العام 1848م إلى أن المعارضين كانوا قد تعلموا دروسًا خاطئة من الثورات السابقة لقرون عدة، أما وسائل التواصل الاجتماعي فقد ساعدت بكل تأكيد في تفاقم هذه المعضلة من خلال التشجيع على نشر صور للأحداث بدلًا من الاعتماد على التحليل المنهجي.


ليست هناك تعليقات

كافة الحقوق محفوظةلـ مدونة باسل النيرب 2016 | تصميم : رضا العبادي