-->

الاثنين، 8 يونيو 2020

الانحياز التأكيدي وانتشار الأخبار الكاذبة



يميل الناس إلى تصديق ما يريدون تصديقه ونحن كبشر نميل إلى التصديق دون وعي للأفكار التي تتماشى مع قناعتنا السابقة، وهو ما يعرف باسم "الانحياز التأكيدي"، فعندما يرغب الناس أن تكون فكرة أو مفهوم معين صحيحًا، ينتهي بهم الأمر إلى الاعتقاد بأنه صحيح وبمجرد تشكيل طريقة عرض نتبنى المعلومات التي تؤكد رأي أو ترفضه لتلقي بظلالها على القرارات التي نتخذها. 
ويشير الانحياز التأكيدي إلى أننا لا ندرك الظروف بموضوعية حيث ننتقي قطع من البيانات التي تجعلنا نشعر بالرضا لأنها تؤكد تحيزاتنا وهكذا نصبح أسرى افتراضاتنا، وهي شكل من أشكال خداع الذات مثل التفاؤل الكاذب. 
ويمكن قياس ذلك ضمن نظرية المؤامرة حيث يميل الناس لتصديق المؤامرة لثلاثة أسباب على الغالب، وهي:
  1. غياب وضعف القدرة على التفكير النقدي.
  2. العقل البشري يميل أحيانًا إلى إيجاد تفسيرات بسيطة لظواهر معقدة. 
  3. نميل كبشر دون وعي أن نصدق الأفكار التي تتماشى مع قناعتنا السابقة، وهو ما يسميه علم النفس بـالانحياز التأكيدي.
إن إساءة استخدام التحيزات يتشارك فيه كل من شركات التكنولوجيا الكبرى والسلوك البشري فالناس ليسوا مستهلكين عقلانيين للمعلومات، بل يبحثون عن إجابات ورسائل سريعة ومطمئنة تمنحهم إحساسًا بالهوية والانتماء وهو ما يعجل من سرعة انتشار الأخبار الكاذبة حتى بعد التحقق من كذبها وتجد رواجاً، ويؤدي عرض المعلومات الخاطئة والتي تُفهم بشكل عام على أنها مشاركة غير مقصودة للمعلومات الكاذبة ولا تهدف إلى إلحاق الأذى، كما يتم تعريف التضليل على نطاق واسع على أنه نشر هادف للمعلومات الكاذبة.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الانحياز التأكيدي والتعرض الانتقائي للمعلومات الموجودة مسبقًا تجعل المعلومات متسقة مع المعتقدات الموجودة مسبقًا، ويعمل كل من التحيز المؤكد والتعرض الانتقائي مع الواقعية الساذجة التي "تقود الأفراد إلى الاعتقاد بأن إدراكهم للواقع هو وجهة النظر الدقيقة الوحيدة وأن أولئك الذين يختلفون ببساطة هم غير مطلعين أو غير عقلانيين".
وتستغل شركات التكنولوجيا مسألة الانحياز التأكيدي من خلال بناء خوارزمية انتقائية للمعلومات التي يرغب المستخدم في رؤيتها بناءً على معلومات حول المستخدم مثل الموقع وسلوك النقر السابق وسجل البحث، وتعمل هذه الخوارزمية بشكل جيد على عدد من المنصات الرقمية؛ ووجد تحقيق أجرته وول ستريت جورنال أن توصيات YouTube على سبيل المثال تقود المستخدمين إلى قنوات تتميز بنظريات المؤامرة، ووجهات نظر حزبية ومقاطع فيديو مضللة حتى عندما لم يبد المستخدمون اهتمامًا بمثل هذا المحتوى.
وهناك سؤال مهم في هذه المسألة ماهي الطرق الأكثر أماناً لمواجهة المعلومات الخاطئة الأكثر شيوعًا؟
في الوقت الذي تعمل الكثير من الجهات على التحقق من صحة المعلومات الكاذبة والكشف عنها تجد أن الحقيقة غائبة في كومة من المعلومات الكاذبة لأن صحة المعلومات بعد الكشف عن كذبها ليست ذات أهمية تذكر ووجدت "دراسة أنه حتى بعد إبلاغ الأفراد بأنه تم تحريف قصة ما لا يزال أكثر من الثلث يشاركون القصة ".
أما وضع علامة على منشورات وسائل التواصل الاجتماعي على أنها "تم التحقق منها" قد تعمل بشكل جيد في البيئات التي تكون فيها الثقة في وسائل الإعلام الإخبارية عالية نسبيًا، ويؤدي إلى نتائج عكسية في البلدان التي توصف بأن الثقة في وسائل الإعلام الإخبارية أقل.
كما أن ن زيادة تعرض المجتمعات عبر الإنترنت لوجهات نظر مختلفة يؤدي إلى نتائج عكسية، أضف عليها عدم قدرة الناس على تغيير رأيهم حتى بعد أن تظهر لهم معلومات جديدة، وقد يؤدي تطوير مهارات التفكير النقدي وزيادة محو الأمية الإعلامية إلى نتائج عكسية أو يكون لها استخدام ضئيل، وتظهر الأبحاث أن "العديد من المستهلكين للتضليل ينظرون إلى أنفسهم بالفعل على أنهم مفكرون ناقدون يتحدون الوضع الراهن". 
ولكن ما الذي يمكننا فعله حيال هذا؟  
باختصار هي وصفة مشتركة استمرار كشف الرسائل الكاذبة، وتطوير التفكير النقدي، واتاحة الأدوات التي تساعد في كشف الحقائق في الإعلام، والتعايش مع التضليل، والحفاظ على حرية التعبير والخصوصية.

ليست هناك تعليقات

كافة الحقوق محفوظةلـ مدونة باسل النيرب 2016 | تصميم : رضا العبادي