الزملاء والزميلات الأعزاء وعلى وجه الخصوص "كُتاب المحتوى" اقرأوا هذا النص وفكروا هل يمكن لـ "الروبوت" أن يكتب مثله؟
«أعتقدُ أن التعبير الإبداعي هو نتاج ثانوي طبيعي للعيش منذ الصغر في عالم متنوّع. وكلّما زاد تنوّع هذا العالم؛ زاد اجتماعُنا بأناسٍ مختلفين وتعرضنا إلى فرص مختلفة وتعرفنا بأماكن مختلفة واصطدامنا بتحديات مختلفة. وكلّما زاد تنوّع هذا الاختلاف، أصبحنا أكثر قدرة على جمع هذه النقاط مع بعضها لتشكيل شيء جديد. أعتقد أنّكم إذا أردتم أن تكونوا مبدعين، فعليكم أن تفعلوا ذلك. إذا أردتُم أن تكونوا كتَّابا، فعليكم أن تكتبوا، وإذا أردتم أن تكونوا موسيقيين، فعليكم أن تؤلِّفوا، وإذا أردتكم أن تكونوا ممثلين كوميديين، فعليكم أن تصنعوا الكوميديا... وكلّما أبدعتُم أكثر، زاد احتمال عثوركم على أمورٍ شيّقة».
الحقيقة أن من كتبه هو الروبوت (GPT-3) بعد أن سأله مبرمج كومبيوتر كيف تصبح أكثر إبداعًا.
نظام (GPT-3) هو ثمرة سنوات كثيرة من العمل داخل مختبرات الذكاء الصناعي. تساعد تلك الأنظمة التي تُعرَّف على أنها نماذج لغوية عالمية، في تشغيل مجموعة متنوعة من الأدوات، كالخدمات التي تلخِّص المقالات الإخبارية أوتوماتيكيا وروبوتات المحادثة المصمَّمة للمشاركة في الأحاديث الإلكترونية، إلا أن تأثيرها لا يزال طفيفًا؛ ولكن (GPT-3) الذي تلقَّى تعليمه من مجموعةٍ أكبر من النصوص الإلكترونية مقارنةً بالأنظمة السابقة؛ فتح الباب أمام مجموعة واسعة من الاحتمالات الجديدة، كالبرامج الرقمية القادرة على تسريع تطوير تطبيقات هاتفية جديدة، أو روبوتات محادثة بأداء أقرب إلى البشر من التقنيات السابقة.
مع اختبار مصمِّمي البرامج وروَّاد الأعمال والخبراء والفنَّانين لهذا النظام، تثير كلُّ تجربة جديدة جدلًا حاميًا حول القوة التي سيصل إليها هذا الجيل من التقنية في النهاية. وحسب ما قيل في وصف البرنامج، فإنه يتكلم بوضوح شديد، وهو بارعٌ جدا في إنتاج نصوص منطقية لسامِعِها، ولكنه لا يعرف بعد كيف يفكر مسبقًا أو يخطط لما سيقوله، أي أنه لا يملك هدفًا حقيقيًا.
يعود استخدام كلمة "روبوت" إلى 1921 وقد وردت في المسرحية الساخرة (Rossum’s Universal Robots) للكاتب التشيكي، كاريل كابيك، صور خلالها الروبوتات مثل آلات تشبه البشر وتعمل بلا كلل ولا ملل، وتتحول في النهاية لتصبح ضد الإبداع وتعمل على إبادة الجنس البشري.
عالميًّا، يوجد عددٌ من الوكالات الإعلامية التي وظفت الروبوتات بدلًا من البشر، فمثلًا وكالة (رويترز) تحالفت وفريق شركة (سمانتيك) لأتمتة مقاطع الفيديو التفاعلية من خلال تمكين المشتركين من النفاذ لقاعدة ضخمة لبيانات تفاعلية مصورة، وشركة (فيسبوك) سرحت العاملين في قسم التزويد بقائمة الموضوعات الرئيسية وجعلها تعمل بشكل آلي، وشركة (ترونك) أعلنت استهدافها إنتاجَ ألفي فيديو يوميًّا بالاستعانة بأنظمة الذكاء الاصطناعي، وعُقِدت شراكة بين (AP) وشركة (أتوماتيد إنسايتس) لمعالجة التقارير الاقتصادية والرياضية بواسطة البرمجيات التحريرية، وطورت (واشطن بوست) مفهوم الصحافة الآلية، واستخدمت الروبوت (هليوغراف) لتحليل الأخبار المتعلقة بأولمبياد (ريو دي جانيرو) في البرازيل، ومنصة (CNN) تستخدم نظام شات بوت أو الشات الآلي لإرسال تقرير يومي للحسابات في (فيسبوك ماسنجر) عن أهم الأخبار المهمة بناءً على اهتمام الجمهور.
وترسل صحيفة (الجارديان) تقريرًا يوميًّا عن أهم الأخبار المهمة بناءً على اهتمام الجمهور، وتعمل صحيفة (نيويورك تايمز) على تقليص عمليات بناء القصص الصحفية والأخبار عبر مشروع (Editor) الذي يقوم على تحليل المحتوى وفهمه، كما تَمَكَّن الروبوت (زاو نان) من كتابة أول مقالة صحافية من 300 رمز كتابي في ظرف ثانية واحدة فقط، والروبوت (إريكا) تقرأ نشرة الأخبار في قناة تليفزيونية يابانية، والروبوت (شياو) الصيني أول مذيعة آلية في نشرة أحوال الطقس، ووكالة (أسوشيتد برس) تستخدم أداة برمجية لإنتاج تقارير إخبارية حول أرباح الشركات، وشركة (MittMedia) السويدية، التي تمتلك 19 صحيفة من الصحف السويدية، أطلقت أول روبوت صحفي، ومن مهامه إنتاج تقارير إخبارية عن الطقس وتقارير في المجال الرياضي، وموقع (سرمدي) استعان بالخوارزميات للرد على تساؤلات الجمهور عبر الموقع أو قنوات التواصل الاجتماعي.
ووظفت وكالة أنباء (شينخوا) الروبوت الصيني (جان جاو) مذيعًا للأخبار، ونجحت صحيفة (لوس أنجلوس تايمز) في نشر قصة خبرية متكاملة عن زلزال لوس أنجلوس 2014، قدمها الروبوت الذي ابتكره الصحافي والمبرمج كين شوينكي، وتطبيق (Quill) يكتب التقارير السنوية لمجلة (فوربس)، كما وظفت (أبوظبي للإعلام) أول مذيع عربي بتقنية الذكاء الاصطناعي ليقدم النشرات الإخبارية باللغتين العربية والإنجليزية.
مع تضمينها 4.5 مليار متغيِّر أصبح (GPT-3) أقوى نموذج لغة على الإطلاق، ويتيح إمكانية توليد سيل لا منتهٍ من النصوص المقنعة من خلال اقتراح جملة افتتاحية، فبمجرد إرسال مقدمة قصيرة من معطيات قليلة لا تتجاوز عدة كلمات؛ ستقدم لك لغة (GPT-3) نصًّا يشبه النصوص التي يصوغها البشر من ناحية طولها وبنيتها النحوية، مكوَّنًا من جمل عشوائية تصل لعدة فقرات، مع قدرٍ كبير من التعبيرية والدلالة، وسيكون من الصعب تمييزها عن النصوص التي ننتجها نحن، أو إدراك أنها مجرد تدفقات نصية ركبتها خوارزمية تتعلم من تلقاء نفسها، كما وصفها فرهاد مانجو في مقاله بصحيفة نيويورك تايمز: "تنتج نثرًا أصليًّا متماسكًا وأحيانًا واقعيًا بطريقة مدهشة ومخيفة ومتواضعة بل ومرعبة". وبإمكانها توليد قصص وقصائد شعرية وبيانات صحفية، ونكات، وصياغة أخبار، والترجمة، والإجابة على أسئلتك بطريقة فلسفية منمقة، وكتابة كود برمجي بعدة لغات (CSS، JSX، Python، SQL) وغيرها، وهي قادرة على التصميم أيضًا.
ولكن لا تقلقوا! فقد أشار سام ألتمان مؤسس نموذج (OpenAI) مع إيلون ماسك، إلى أن نموذج (GPT-3) لا يزال يعاني من نقاط ضعف خطيرة، ويرتكب أحياناً أخطاء سخيفة للغاية. وختام القول (GPT-3) هو مجرد بداية ولمحة مبكِّرة لما سيكون عليه عالم الصحافة في الغد.
موضوع في الصميم
ردحذف