-->

الاثنين، 4 أكتوبر 2021

كوميديا #وثائق_باندورا

 



بداية يجب أن يُقرأ هذا المقال في حدود السطور التي كُتبت فيه بمعناها الواضح ولا تُؤل ...

عندما بدأ الحديث عن صدور "وثائق باندورا" كنت اعتقد أنها كسابقتها من الوثائق، تنشر قصص فساد السلطات العليا في الدول، ولكن بعد حجب مواقع واتهام الجهات التي نشرت أو تعاطفت بالنشر مع "وثائق باندورا" وقفت أتأمل المتابعين على منصات التواصل الاجتماعي وبالذات على تويتر أراقب سلوكهم.. فمن خلال أكثر من 12 ألف تغريدة على هاشتاق "#وثائق_باندورا" وجدت نسبة كبيرة منها أخذت جانب التعليقات إما بالتهكم والنقد اللاذع سواء مع أو ضد الوثائق، ولكن بأسلوب فكاهي ومن هنا جاءت فكرة المقال.

تقوم فكرة هذه المقالة على سؤال ربما لا أملك جواباً له، ويحتاج إلى مقالات والبحث أكثر في مصادر العلم والمعرفة، وهو لماذا يُشرع الإنسان في نشر الكوميديا عندما تحيط به المشاكل التي لا يقوى على حالها؟ ولماذا تكون السخرية هي الملجأ الوحيد للفرار من هذه الحالة؟

أعود هنا إلى ما قاله المؤرخ ابن خلدون فقد قال: "إذا رأيت الناس تُكثر الكلام المضحك وقت الكوارث فاعلم أن الفقر قد أقبع عليهم وهم قوم بهم غفلة واستعباد ومهانة كمن يُساق للموت وهو مخمور ". 

هذه العبارة عظيمة المعني تقودني إلى التعريف بالقرار الذي أصدره نابليون عام 1799 عندما أمر بإغلاق كل صحيفة ساخرة في باريس، وأمر رئيس الشرطة بأن لا يتسامح مع أي من فناني الكاريكاتير الذين يتناولون مظهرة، وكانت الصورة الوحيدة المسموح لها بالنشر في الصحف وعلى اللوحات الزيتية صورة رسمها "جاك لوي ديفيد" المعروفة باسم نابليون عابرًا جبال الألب ولكن "جيمس جيلري" كان له رأي آخر فقد رسم نابليون والمجموعة المحيطة بهم بشكل أجبر نابليون على منع دخول هذه اللوحة من إنجلترا؛ لا بل القبض على من يحاول أن يُهرب نسخاً منها إلى فرنسا، وحاول أن يضع بندًا يتيح التعامل من خلاله مع رسامي الكاريكاتير أنهم قتله ومزورين.

وفي العام 1831 رسم رسام الكاريكاتير الفرنسي "تشارل فيليبون" من خلال مجلة أصدرها باسم "لا كاريكاتير" صورة للملك "لوي فليب" ملك فرنسا رأسه على شكل "كمثرى" وتم القبض على الرسام المغمور ووجهت له تهمة الإساءة للذات الملكية ومثل أمام المحكمة وعند المثول أمام المحكمة وقف يتحدث متهماً الشرطة بالتقصير فقد توجب على عناصر الشرطة أن يلاحقوا أي شيء على شكل فاكهة "الكمثرى" وطبعاً كانت نتيجة السجن للرسام.

في تويتر وعطفاً على " وثائق باندورا" لا يمكن قراءة الكوميديا التي انتشرت خلال الساعات الماضية إلا تعبيراً عن حالة من التفريغ الانفعالي التي رافقت المغردين من الطرفين، وهي بالطبع حالة تعبر عن الشكوى من أوضاع الفساد التي تم نشرها ضمن الوثائق، وطريقة للتذمر من الأوضاع.

ولأن الزمان تغير فلم نسمع خطابات عصماء كما كان جيل الستينيات والسبعينيات يرددها؛ ولكن شاهدنا وسمعنا عبارات تهكمية شديدة القسوة في مجملها تنقد ما آلت إليه الأوضاع وتحمل قدرًا من التحريض المبطن دون التصريح بأسماء، وهذا طبعاً مغلف بطابع من البراءة الظاهرة التي تضع الأصبع على الجرح دون التصريح بأي اسم مهما كان.

وهنا تعمل الكوميديا على استغلال الأحداث فشيئاً خفيفاً ويحمل التهكم والسخرية دون التصريح باسم الخصم لا يمكن أن يتسبب بفرض العقوبات عندما نعلن الأسماء صراحة، وهو ما أشار له فرويد "النكات وعلاقتها باللاوعي" 1905 وقد أشار فرويد أن النكات وما تتضمنه من رسائل خطيرة تكسب أذناً صاغية لدى السامعين وهو ما لن تجده أبداً في أي صيغة أخرى تخلو من المزح والدعابة ولهذا تجد الكوميديا مكاناً علياً وأفضلية إذا انتقدت أصحاب المناصب الرفيعة، وتصبح النكات دعوة عند الآخرين للإصلاح ووسيلة لرسم السياسي النموذجي المأمول. 

وأخيراً تبقى الكوميديا وسيلة من الوسائل لإصلاح شرور العالم، واستنكاراً للأفعال، ولكن ما الضحك والسخرية إلا الوسيلة اللاذعة للتعبير عن الأمور المسكوت عنها.


هناك تعليق واحد:

  1. How to make money in gambling: Tips and tricks for making money
    If you can't หาเงินออนไลน์ get enough money in 바카라사이트 the casino, play the slot machine, or bet on football, then try to place 1xbet a bet on the

    ردحذف

كافة الحقوق محفوظةلـ مدونة باسل النيرب 2016 | تصميم : رضا العبادي