في بلادنا لا مجال للتمرد أو حتى التفكير بشق عصا الطاعة فقد تم تربية العموم ليكونوا عبيداً، ومن يشق العصا يكون جزاؤه بمثل ما حدث لــ "عبيد العصا" وصاحب القصة حجر بن الحارث الذي تمرد عليه بنو أسد وحاربهم وكسرهم ولم يقتل أسراهم بالسيف كما جرت العادة؛ بل انهال عليهم ضرباً وتكسيراً بالعصي حتى ماتوا ولهذا وصفوا بعبيد العصا.
حياتنا مع العبودية ليست وليدة قهر اليوم، بل هي امتداد طبيعي للتاريخ الإنساني للمنطقة فمن "عبيد العصا" إلى ما فعلة جبابرة العرب ومثلاً سيادة عوف على كل من يحل بواديه فيصبح كالعبد، وما أمر به غمليق ملك طسم وجديس وهو حق الليلة الأولى وأن لا تزف فتاة إلى زوجها حتى تزف إليه أولاً وعرف في العصور الوسطى باسم حق الليلة الأولى.
العبودية وأشكالها واحدة في الشرق أو الغرب وعند الفرس والعجم، ولكن لكل مكان وزمان طرائق وأساليب للعبودية، وليس الغني أو الفقر هو السبب في العبودية بقدر ما هو الجهل، ومع ذلك يبقى العبيد طبقة اجتماعية فيها من أشباه المتعلمين والمثقفين ولها وظيفة محددة اعتادوا الذل والمهانة واعتدوا أكثر على المنح والعطايا.
إننا على ما نصنع فيحكي عن "ليكورج" الذي عرف باسم مشرع أسبرطة أنه ربى كلبين خرجا من ذات البطن ورضعا من ذات الثدي، الأول سمن في المطابخ والثاني ركض في الحقول وأراد أن يبين لشعب سيدومونيا أن الناس تصنعهم تربيتهم فجاء بالكلبين وسط السوق ووضع بينهما حساء وأرنب، والكلب الذي تربى بالمطبخ ذهب إلى طبق الحساء، ومن تربي في الحقول ركض خلف الأرنب.. عندها قال ليكورج مع أنهما إخوان من ذات البطن ورضعا من ذات الثدي.
ليس مطلوباً أن نثور، وليس مطلوباً أن نكون مثل أكبر الطواغيت العبيد "فرعون" الذي ورغم جبروته ظهر أنه عبد ضعيف وقال في النهاية كما جاء في الذكر الحكيم "آمنتُ بالذي آمنت به بنو إسرائيل"، كما أن ثورات العبيد وإن حدثت فهي عمياء حمقاء هوجاء كما وصفت لا تُلغي الاستبداد لكنَّها تُعيد انتاجه بتغيير الأدوار.
المعرفة والعلم هما السلاح لمحو طبقة العبيد فنحن ببساطة جهلة في التاريخ وجهلة في مفردات الحقوق والحريات ومعانيها العظيمة نحقد على الناجحين وكأننا أداء بيد المتغطرس ونعتقد أننا في هذا السلوك أننا نقترب خطوتين من المتسلط، والحقيقة أنا كما يُقال في المثل الشعبي لسا أكثر من "ممسحة وسخ".
وختام القول.. ينظر لنا السيد أننا عبيد ونحن جزءً من لعبة الطغيان ولا مصير مشترك بيننا هو السيد ونحن العبيد هو المالك وولي النعمة ونحن الأداة فعمرنا الافتراضي ينتهي بمجرد انتهاء الدور أو عند توقف المنح والعطايا، فالحر لا يبع عقله وفكره ولا قلمه ولا موقعة في المعركة، وخير الكلام ما بينته لي الأيام "لن ينتصر الظلم رغم جبروته، ولو خيّروني بين زوال الطغاة أو زوال العبيد، لاخترت بلا تردّد زوال العبيد، لأنّ العبيد يصنعون الطواغيت ولا يبنون الأوطان كما قال العلامة ابن خلدون رحمه الله.
أحسنت النشر
ردحذف